لنبدأ بالإصلاح السياسي

ها قد أكد الشعب الكويتي إرادته من جديد من خلال إعادة الغالبية الاصلاحية في مجلس 2022 المبطل (و زيادة) ليؤكد أنه هو – و ليس أي جهة أخرى – مصدر السلطات وأنه متمسك في خياراته رغم تعرض تلك الخيارات الشعبية للإجهاض عدّة مرات.
لعل أهم رسالة وجهها الشعب للسلطة هي أن الإصلاح أضحى خياره الإستراتيجي، فعلى الرغم من حالة الإحباط الشعبي نتيجة الإبطال المتكرر لمجالس الأمة التي كان الشعب يعقد عليها الآمال ، إلا أنه لم يستسلم لحالة الفساد المستشرية في مفاصل الدولة و التي راهنت “الدولة العميقة” على اعتياد الناس عليها و اليأس من إحداث الإصلاح السياسي المنشود.
و من الرسائل المهمة في هذه الانتخابات أن مؤسسة الفساد ومن يمثلها من نواب فاسدون تبقى ضعيفة ومهمشة في قاعة عبد الله السالم في حال جرت انتخابات نزيهة وشفافة ، وهنا لا بد من الإشادة بحكومة سمو الشيخ أحمد النواف و جهود وزير الداخلية الشيخ طلال الخالد اللذان حرصا على نزاهة الانتخابات وحاربا ظاهرة شراء الأصوات بلا هوادة والتي كانت تدنس كل عرس ديموقراطي الا ما ندر.

ان نتائج انتخابات مجلس 2023 لم تكن مصادفة ، فقد وصل الشعب الكويتي إلى حالة متقدمة من الرشد السياسي منذ وقت ليس بالقليل ، حيث
استطاع هذا الشعب الواعي التغلب على جميع المعوقات التي خلقتها السلطة لايقاف المد الاصلاحي المتنامي و تمكن من إيصال أغلبية نيابية إصلاحية لا تملك السلطة إلا الاعتراف بها و الانحناء أمام رغبة الإصلاح السياسي التي طالب بها الشعب الكويتي باستمرار منذ اسقاط مجلس 2009 حتى 6/6/2003.
إن حالة الرشد السياسي التي وصل إليها الشعب خلقت لديه مناعة ضد الدعاية المضللة التي مازالت تقتات عليها مؤسسة الفساد (الدولة العميقة)، لكنها فقدت تأثيرها على الناخب حالها كحال البضاعة الفاسدة التي يُنفق عليها التاجر الغشاش الكثير من الأموال لترويجها لكن إدراك الزبون الواعي لفساد تلك البضاعة جعلها تبور رغم بريقها الزائف.
الآن ها قد عادت الكرة من جديد إلى ملعب الأغلبية الإصلاحية، مما يجعل المسؤولية أكبر في إصلاح ما أفسدته الدولة العميقة وأدواتها طيلة السنوات الماضية.

يجب على الأغلبية الإصلاحية أن تبدأ بقوانين الإصلاح السياسي التي تحمي المؤسسة التشريعية من تغوّل باقي السلطات لتعود مؤسسة فعّالة تشريعياً ورقابياً. ومن أهم القوانين التي يجب إقرارها في المائة يوم الأولى هي تقييد صلاحيات المحكمة الدستورية خصوصاً ما يتعلق بإبطال مجلس الأمة، و تشريع قانون عادل للدوائر الانتخابية والقوائم النسبية، وقانون الجمعيات السياسية لتعزيز العمل الجماعي على حساب العمل الفردي الذي تسبب في الفوضى السياسية التي تعيشها البلاد ، وكذلك تعديل اللائحة الداخلية لمجلس الأمة لتتوائم مع مطالبات الشارع الكويتي، و أخيرا و ليس آخرا الغاء قانون المسيء و جميع القوانين المقيدة للحريات السياسية، و الزام الحكومة بمعايير عالية في تعيين المناصب القيادية.
ازعم أن تلك القوانين مقدمة على ماسواها من القوانين الأخرى رغم أهميتها لأن الخبرات المتراكمة للشعب الكويتي طيلة السنوات والعقود الماضية اكدت للجميع أنه لن تتحق أي تنمية من أي نوع ، لا اقتصادية ولا تعليمية ولا صحية ولا عمرانية قبل البدء باصلاح المنظومة السياسية، مما يجعل أي تفكير في تأجيل الاصلاح السياسي ليس الا هدراً لوقت المجلس و إضاعة لسنوات و ربما عقود أخرى من أعمار الأجيال القادمة.
إن أي انحراف عن مهمة الإصلاح السياسي من خلال محاولات بيع الوهم لبعض الناخبين للحصول على نجومية فردية على حساب مصلحة الوطن، سؤدي إلى خذلان وإحباط التيار الشعبي الإصلاحي الذي كافح من أجل إيصال أغلبية إصلاحية متجاوزاً مصالحة الخاصّة التي كان يمكنه الحصول عليها بواسطة مرشحين محسوبين على مؤسسة الفساد. هذا التيار الشعبي الإصلاحي يستحق أن يرد له النواب الذين أوصلهم التحية بمثلها أو بأحسن منها، ولا أحسن من إصلاح الجهاز التنفيذي للدولة ليقوم بدوره بطريقة فعّالة تخدم مصالح الناس بعيداً عن ابتزاز النواب الفاسدين. و لن يتحقق ذلك الا من خلال قوانين إصلاحية تمكن الأكفاء الأمناء من تولي المسؤولية لكي ينصلح حال التعليم و الصحة والمشاريع الاسكانية والشوارع ومن ثم ينصلح حال هذا البلد و أهله الطيبين.

د.أحمد الذايدي

شاهد أيضاً

ما بعد الطوفان.. غزة تحرر العرب

إن تأثير حرب غزة 2023 (طوفان الأقصى) على الرأي العام العالمي قد فاق جميع التوقعات …

اترك تعليقاً