أدى تھاون المجتمع حیال ظاھرة الغش الدراسي الى تحولھا الى وباء
اجتماعي ، و مع مرور الوقت و اعتیاد الناس علیھا صارت جزءاً من السلوك الیومي لطلاب المدارس والمعاھد و الجامعات ، بل سمة من السمات الشخصیة لھذا الجیل الا من رحم الله.
إن عدم التصدي للانحرافات الاخلاقیة یجعلھا مع مرور الزمن جزءاً من ثقافة ذلك المجتمع ، و ھو ما وصل الیھ حالنا الیوم، حیث أصبح الغش ھو الاصل عند الكثیر من أبنائنا الطلبة ، وصار من المقبول أن یجیب المعلم على اسئلة الاختبار لرفع نسبة النجاح ، و بات ولي الأمر یتغاضى عن غش أبنائھ ، بل یعیب بعضھم على المعلمین الذین لا “یساعدون” أبناءھم أثناء الاختبارات، و بذلك تحول الكثیر من المربین )المعلمون و أولیاء الأمور و الادارات المدرسیة( الى معاول ھدم في المجتمع بدلاً من أن یكونوا سواعد بناء.
و لتعرف مدى عظم و خطورة ھذا الخلق الدمیم ، علیك أن تتأمل حكمة الله عز و جل في إرسال رسول ھو شعیب علیھ السلام إلى أھل مدین الذین انتشر فیھم الغش في المكیال و المیزان، و علیك أن تدرك لماذا تبرأ النبي )صلى الله علیھ و سلم( من الغشاشین حیث قال “من غشنا فلیس منا” )حدیث صحیح(، و لماذا عدھا الله تعالى خیانة ( انظر فتوى الشیخ بن باز) “یا أیھا الذین آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون” )الأنفال: ٢٧(
إن صمت المجتمعات عن انتشار الأخلاق و الأفكار المنحرفة لن یتوقف عند حد، فبنظرة سریعة للمجتمع الغربي سنجد أنھ و منذ القرن الماضي فقط ، تب ّدلت عنده الكثیر من الأخلاق ، حیث استبدل ال ّستر بالتعري، و احترام الوالدین بالعقوق، و الإحسان للجار بالشكوى علیھ ، واستبدل الزواج بالزنا وتحریم الخمر بإباحتھا واستبدلت المساواة بالعنصریة،
وصارت “حقوق الشواذ” من أھم حقوق الانسان التي تدافع عنھا بل تروج لھا حكومات و منظمات عالمیة. وكلما انتشر خلق رذیل وصمت عنھ الناس تح ّول إلى ثقافة عامة و سلوك معتاد ، و صار من یتمسك بالخلق القویم ھو الشخص المنبوذ الذي یجب أن یحترم حقوق المنحرفین.
إن من یتساھل في الغش الدراسي الیوم علیھ أن یعي أن الطالب الغشاش سیكون غداً ھو ذلك الموظف الذي یسجل حضوره في العمل و ھو نائم في بیتھ وھو المدیر الذي سیظلم الموظف الجاد و یرقي ذلك الموظف النائم لتتعطل مصالح العباد ، وھو المھندس الذي سیخطط الطرق والجسور و یستلم المشاریع الفاسدة من المقاول الغشاش، وھو الطبیب الذي سیخطئ في تشخیص مرضك لیزید معاناتك، وھو القاضي الذي سیضیع حقوقك بلا وازع من ضمیر، وھو مراقب البلدیة الذي سیدخل الى بیتك الطعام الفاسد، وأخیراً و لیس آخراً ، ھو المعلم الذي نجح بالغش لیُخ ّرج لنا جیلاً جاھلاً یحمل شھادات خاویة من المعارف والمھارات التي تبني الأوطان.
لقد آن الأوان لتطھیر مجتمعنا من ھذه الآفة الخطیرة كي نتفرغ لبناء جیل صالح قادر على تحمل المسؤولیة فور دخولھ میدان العمل لیكون منھم المواطن الصالح و الموظف الصالح و المربي الصالح و الطبیب الصالح و المھندس الصالح و القاضي الصالح و السیاسي الصالح و القیادي الصالح.
د.أحمد الذايدي