مع تراكم الخبرة السياسية للشعب الكويتي على مدار العقود الماضية، ومع تطور وسائل الإعلام وانفتاحها لاسيما وسائل التواصل الاجتماعي، أدى ذلك لخلق رأي عام حرّ قادر على الضغط والتأثير على صانع القرار سواءاً كان في السلطة التشريعية أو التنفيذية.
لقد أدرك العهد الجديد هذه الحقيقة وتمكن من التكيف معها بذكاء و في الوقت المناسب ، بل عبر عن ذلك قولاً و عملاً من خلال الخطاب الأميري التاريخي الذي ألقاه سمو ولي العهد بتاريخ 22/6/2022 و ما تلاه من اجراءات ، الأمر الذي أعاد الاعتبار للارادة الشعبية التي مازال الرأي العام يعبر عنها بالصناديق و في وسائل الاعلام حتى أصبحت هي المحور الرئيس الذي تدور حوله الحياة السياسية في الكويت.
و بعد الإعلان الرسمي لتائج الانتخابات تشكلت أول حكومة للشيخ أحمد النواف لكنها أجهضت قبل أن يجف حبر مرسوم تشكيلها تحت ضغط الرأي العام الذي أظهر الدعم الكامل للوزير المحلل المستقيل النائب عمار العجمي الذي رفض الانضمام للحكومة فور تشكيلها إحتجاجاً على ذلك التشكيل الذي لم يقرأ نتائج الانتخابات بشكل جيد متجاوزاً مانصّت عليه المادة (57) من الدستور و مذكرته التفسيرية التي نصت على الآتي :
“إذ تقرر أن الوزارة الجديدة لايستقر بها المقام-أو لا تعين أصلاً تعييناً نهائياً-إلّا بعد الحصول على ثقة المجلس النيابي الجديد”.
ولولا دعم الرأي العام للوزير العجمي لاستطاعت الحكومة توزير نائب آخر و الاستمرار في أداء القسم، و حضور الجلسة الافتتاحية ، لكن ضغط الشارع أجبر 38 نائباً لإعلان عدم التعاون معها مما أفقدها الغطاء السياسي الذي جعل استمرارها مستحيلاً (السابقة الأولى التي تستقيل فيها حكومة كويتية قبل القسم تحت ضغط الرأي العام).
هذا التطور النوعي للحياة السياسية في الكويت لم يكن ليحدث لولا وعي الرأي العام الذي بات هو الحارس الأمين على الدستور والرقيب على أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية ، و هو ما ترجم مضمون المادة (6) من الدستور “الأمة مصدر السلطات جميعاً” إلى واقع عملي بعدما كانت حتى الأمس القريب حبراً على ورق.
لقد أصبح الرأي العام الكويتي الآن يمتلك سلطة حقيقية جعلت منه شريكاً حقيقياً في القرار بل صانعاً للملوك. وعليه، فإن النتيجة الطبيعية لتطور الحياة السياسية في الكويت هو أن الحكومات القادمة لن تتشكل بمعزل عن رضا الرأي العام والحصول على ثقة البرلمان، وهو ماسيجعلنا نقترب أكثر إلى الحكومة البرلمانية التي تعكس إرادة الأمة بشكل حقيقي.
د.أحمد الذايدي