كتبت العديد من المقالات في نقد السلطة، وأظن أنه آن الأوان لممارسة شيئاً عن النقد الذاتي لإخواني في المعارضة ، لا لشيء إلا ليقيني انه لن يصلُح حال هذا البلد الإ بصلاح النخب السياسية القادرة على التأثير و التغيير . و على الرغم من حساسية هذا الموضوع بالنسبة لكاتب هذه السطور الذي تربطه علاقات طيبة و احترام متبادل مع ثلة من رموز المعارضة و تياراتها السياسبة ، الا انني على يقين أن النقد الموضوعي هو ما سيقوّم المسيرة و ليس الثناء الزائف ، مستهديا بهدي رسولنا الكريم (صلى الله عليه و سلم): “الدين النصيحة …”
في النظم الديمقراطية العريقة تلعب المعارضة الرشيدة دوراً محوريا في الرقابة على السلطة من جهة، وفي تقديم بديل واقعي قابل للتطبيق فيما لو تغيرت المقاعد. لذلك فإنك ستجد ان المعارضة في تلك المجتمعات تتبنى مشاريع سياسية واقعية نابعة من بيوت الخبرة Think tank و استشارة أهل الاختصاص، كما وتعتمد في كثير من برامجها على مؤسسات المجتمع المدني.
لكننا في الكويت وعلى الرغم من مرور ما يناهز قرن كامل على تجربتنا (نصف) الديمقراطية التي تعاقب عليها اجيال من السياسيين، إلا أننا مازلنا ندور في فلك ذلك النصف – الذي لا يريد أن يكتمل – مّما يجعلنا بعيدين عن نموذج الحكم الرشيد بشقيه الحكومي والمعارض.
صحيح ان المعارضة الكويتية نجحت في تحقيق عدد من الانجازات لاسيما خلال السنوات القليلة الماضية من خلال تبني خطاب سياسي مناهض لقوى الفساد مما خلق حالة متقدمة من الوعي الشعبي اقنعت الرأي العام في ايصال اغلبية اصلاحية الى قبة البرلمان في مجلس 2012 ثم مجلس 2020 الذي نجح في الضغط لعودة المهجرين، كما توجت تلك الانجازات بإسقاط رئيس الحكومة ثم حل البرلمان (و هو ما حقق شعار رحيل الرئيسين) وأعاد الاعتبار لإرادة الامة التي امتهنت و تم الاستخفاف بها طوال العقدين الماضيين.
لكن الصحيح أيضا أن المعارضة مازالت فاقدة للقيادة السياسية القادرة على توحيد الصفوف ، كما أنها فاقدة للمشروع السياسي القادر على إخراج البلاد من نفق الصراعات والاخفاق التنموي الذي جعل الكويت في مصاف الدول المتأخرة، مما يجعلها معارضة احتجاجية تستجيب لردود الأفعال لكنها عاجزة عن تقديم مبادرات تنهض في البلاد ، لأسباب ذاتية و أخرى موضوعية.
لعل أحد أهم الأسباب الذاتية هو افتقار قوى المعارضة للمفكرين (رغم أنها تزخر بالعديد من السياسيين الذين يملكون الكاريزما و التأثير) ، مما يحرمها من مزية القدرة على تقديم مشروع إصلاحي واقعي قادر على اقناع الرأي العام ، فضلا عن اقناع السلطة على قدرتها لإدارة المشهد السياسي في حال الانتقال الى نموذج الحكومة البرلمانية.
كما تظهر الذاتية بشكل جلي في تغليب المصلحة الخاصة اثناء الانتخابات و الخلافات السياسية التي سرعان ما تتحول للشخصانية مما ينعكس على ادائها العام و يسمح لخصومها باستغلال هذه الثغرة لتفريق صفوفها و التشكيك ببرنامجها الاصلاحي.
اما أهم الاسباب الموضوعية التي مازالت ندوبها ظاهرة على أداء المعارضة و الوضع السياسي بشكل عام ، فهو النظام السياسي الذي يشجع الفردانية على حساب المؤسسية. فبفضل ذلك النظام وجدت المعارضة نفسها منغمسة في سكرات العمل الفردي – الذي يعشق النجومية – بدلاً من تغييره لصالح العمل المؤسسي الذي يقدم نجومية الإنجاز على نجومية الأشخاص. و لأن معظم رموز المعارضة نتاج ذلك النظام الفرداني ، فإنك لا تجدهم في الصفوف الامامية التي تضغط للانتقال للعمل المؤسسي القائم على برامج سياسية جادة لانعدام خبرتهم بالعمل الجماعي من جهة ، و لاعتقاد بعضهم ان في ذلك الانتقال نهاية مستقبلهم السياسي.
و بناءًا عليه ، أجد انه من المؤسف أننا مازلنا عاجزين عن تطوير نظامنا السياسي رغم التجربة الغنية و العريقة للعمل البرلماني في الكويت. كما يؤسفني أن المعارضة مازالت عاجزة عن لملمة شتاتها، والخروج بآلية تضبط العمل السياسي على قواعد مؤسسية قادة على إنتاج مشروع سياسي يخرج البلاد من نفق الفوضى السياسية التي مازالت تقودنا الى مستويات متقدمة من الانحدار الذي طال كافة مؤسسات الدولة والمجتمع.