آثرت التمهل في التعليق على مراسيم العفو الخاص الصادرة بحق أبطال قضية دخول مجلس الأمة بالتزامن مع مجرمي “خلية العبدلي” والتي أصابت الكثير من الكويتيين بالغبن لمساواتها بين المصلحين الذين ضحوا من أجل الوطن مع الخونة الذين خططوا لتدميره.
أما الآن وبعد أن تأكدت عودة الأبطال ، فلا أجد مبرراً للسكوت عن قضية بهذا الحجم بل أجد أنه من واجبي أن أدلو بدلوي حول هذه اللحظة التاريخية التي ليس لها مثيل إلا هجرة الطواويش وعلى رأسهم هلال فجحان المطيري عام 1920 إلى البحرين، ثم عودتهم من المهجر عام 1921.
ولأن قضية دخول المجلس فرضت نفسها كأهم قضية سياسية في تاريخ الكويت الحديث ، والتي لن ينتهي الحديث عنها بمجرد صدور العفو الأميري، بل ستمتد آثارها إلى الأجيال القادمة، أجدني ملزماً بكتابة هذه السطور خصوصاً بعد اطلاعي على تفاصيل بعض ما دار في لجنة الحوار الوطني، بعد التواصل المباشر مع أحد أعضائها والتي كانت الغطاء السياسي لمراسيم العفو عن المهجرين.
ولأن الحديث عن هذه القضية الوطنية الكبرى لا يمكن إيجازه بمقال صحفي، فقد أثرت الاقتصار على جزئية وحيدة أثارت مشاعر الرأي العام الكويتي وهي تزامن صدور العفو عن المحكومين في قضية دخول المجلس مع المدانين بجرائم ترقى للخيانة الوطنية حيث ثبت تجنيدهم من قبل المخابرات الإيرانية والحرس الثوري وحزب الله لتكديس أطنان من الأسلحة بهدف الإضرار بالأمن و تقويض النظام الاجتماعي و الاقتصادي في البلاد.
لقد أوحى ذلك التزامن في صدور العفو بمرسومين متتابعين عن وجود صفقة سياسية تمت في أروقة لجنة الحوار الوطني بموافقة أبطال قضية المجلس وهو ما أزعج محبيهم وأسعد شامتيهم الرافضين لعودتهم من الأساس. كما فتح الباب لكل زاعق وناعق لاتهام أولئك الأبطال – الذين قدموا التضحيات سجناً وتهجيراً وإقصاءاً – بالتنازل المهين وتقديم مصالحهم الخاصة على مصلحة الكويت وأهلها وهي فرية تدحضها سيرة أولئك الرجال الثابتين منذ دخولهم للميدان السياسي حتى عودتهم للكويت واستقبالهم كأبطال من قبل أبناء الشعب الكويتي.
وهنا لابد من التأكيد على حقيقة – ستظهر الوثائق تفاصيلها لاحقاً – أن جلسات الحوار الوطني قد دعت للمصالحة السياسية وأوصت بالعفو عن قضايا الرأي والموقف السياسي، لكنها لم توصي بالعفو عن الجرائم التي تمس أمن البلاد. كما تأكد لي عدم مقايضة العفو بتحصين رئيس الوزراء أو فرض ضرائب أو اعتذار المهجرين عن احتجاجهم السلمي ضد الفساد، او عن دخولهم لمجلس الامة الذي كان نتيجة مباشرة لفضيحة الرشاوى السياسبة التي اودعت في حسابات بعض النواب الفاسدين.
لكن النتيجة المنطقية التي يمكن استنتاجها أن النواب الأربعون الذين التمسوا العفو من سمو أمير البلاد سيجنحون للتهدئة الى حين ، من باب رد التحية بمثلها، الا أنهم لن يصمتوا عن محاسبة الحكومة عن تقصيرها في حال ثبت لهم ذلك التقصير ، حتى لو اضطروا لاستجواب رئيس الوزراء. وهنا يصبح من الواجب على الحكومة تقديم برنامج عملها الذي يمكن من خلاله تمرير بعض التشريعات التي تخدم مصلحة الوطن والمواطن لكي تثبت أنها تستحق تعاون مجلس الأمة، وإلا فإن رئيس الحكومة سيكون في مرمى الاستجوابات و سيكون قد أهدر الفرصة الأخيرة لبقائه في هذا المنصب.
لكن يبقى السؤال عن حيثيات صدور مرسوم العفو عن “خلية العبدلي” و من الذي سعى له بخيله و رجله بالتزامن مع العفو عن أبطال قضية دخول المجلس – إذا استبعدنا شبهة المقايضة السياسية – والجواب يكمن في اللجنة الثلاثية التي تشكلت بشكل مفاجئ وغريب من رؤساء السلطات الثلاثة بعدما تأكد لرئيس مجلس الأمة و رئيس الحكومة– و كلاهما أعضاء في لجنة الحوار الوطني – رفض باقي أعضاء لجنة الحوار الفاعلين لمبدأ العفو عن الجرائم التي تضر بأمن البلاد و على رأسها “خلية العبدلي”.
لذلك ما كان من رئيس المجلس (عراب العفو عن الخلية) إلا الالتفاف على لجنة الحوار الوطني من خلال اقتراح لجنة ثلاثية من رؤساء السلطات الثلاث لوضع “ضوابط للعفو” (رغم وجود تلك الضوابط اصلاً في ثنايا لجنة الحوار الوطني) ، ما يؤكد أن الهدف الوحيد من تشكيل هذه اللجنة ليس الا شمول العفو للمدانين في “خلية العبدلي” الأمر الذي أكده لاحقاً شكر حلفاءه له النائب سيد عدنان عبدالصمد والنائب السابق صالح عاشور.
وعليه فإن من حشر أسماء الخونة مع أسماء الأبطال في كشوف العفو في اللحظات الأخيرة و رفعها للقيادة السياسية باعتبارها مصلحة وطنية يتحمل وحده أمام هذا الجيل والأجيال اللاحقة عواقب ذلك الفعل القبيح الذي سيلاحقه إلى قبره، وسيشهد عليه التاريخ أنه استخدم منصبه و نفوذه السياسي لا لخدمة الكويت وأهلها، بل لخدمة من تآمروا على أمن البلاد و شعبها من أجل مصالح سياسية زائلة.
د.أحمد الذايدي