قبل الحوار الوطني

الإعلان الذي صدر عن الديوان الأميري حول تدشين حوار وطني تحت رعاية سمو أمير البلاد جاء في وقت تشهد فيه البلاد احتقاناً سياسيا غير مسبوق بسبب تراكمات عدة استمرت ويطول شرحها.

إن مجرد الإعلان عن الحاجة للحوار يحمل دلالتين هامتين، الأولى أن السلطة تعترف ضمنيا بوجود خلل سياسي يعرقل استمرار الحياة السياسية والثانية أنه يفترض أن لديها النية لإصلاح ذلك الخلل، ولذلك فإنه من الضروري على نواب المعارضة والقوى السياسية التقاط تلك الإشارة الإيجابية ورد التحية بمثلها على أقل تقدير.

لكن مجرد الإعلان عن إجراء حوار بين الفرقاء لا يكفي ولن يصل إلى مقصوده مالم يسبق تلك المبادرة إجراءات تساعد على بناء الثقة، أهمها العفو عن جميع المحكومين في قضايا الرأي، وفي مقدمتهم النواب السابقون والشباب الوطني في تركيا وغيرها من بلاد المهجر، ولا نستثني من ذلك حتى الشيوخ القابعين في المنفى لأسباب سياسية، فالكويت وطن الجميع ولا يجوز أن نستثني أحداً من العودة إليها والمساهمة في بنائها من جديد.

كما أن القرارات التي صوت عليها مجلس الأمة بالمخالفة للدستور والتي حصنت رئيس الحكومة من الاستجوابات المستقبلية لابد من إلغائها واعتبارها كأن لم تكن ، وثالثها القوانين المقيدة للحريات والتي صدرت في ظروف استثنائية وكبلت الرقابة الشعبية فكانت النتيجة أن الفساد أغرق البلاد وقضى على فوائض الميزانية ولوث سمعة الكويت في المحافل الدولية .

أجندة الجوار

ما سبق ذكره ليس إلا مقدمات ضرورية لبناء الثقة بين أطراف الحوار – السلطة ممثلة بالحكومة، والشعب ممثلا بمجلس الأمة والقوى السياسية – لكن برنامج الحوار الوطني العتيد يجب أن يتمحور حول اصلاح الخلل في النظام السياسي بدءا بالنظام الانتخابي ومرورا بإشهار الأحزاب وانتهاء بالتعديلات الدستورية التي باتت ضرورية لانتشال البلاد من حالة التراجع وانعدام الاستقرار السياسي الذي استمر لعقود.

و اذا كان الجميع ينشد الاستقرار الذي يخرجنا من حلقة الصراعات المفرغة الى اللحاق بقطار التنمية، فإن لذلك الاستقرار ظروفاً موضوعية غير متوفرة في كويت اليوم لأسباب تتجاوز الممارسة السياسية الى صلب دستور ١٩٦٢ الذي وضع في ظروف محلية و دولية لم يعد الكثير منها موجوداً اليوم.

كما أن الوعي السياسي للمجتمع الكويتي قد تطور بشكل مضاعف خلال العقود السته الماضية ، الأمر الذي يحتم إعادة النظر في مواد الدستور الحالي ليواكب ظروف واحتياجات الشعب في القرن الواحد والعشرين.
و عليه فإن الاعداد المتقن لجدول اعمال حوار وطني قادر على انتشال البلاد من حالة التخبط والتراجع والصدام – الذي بات يهدد مستقبل البلاد – سيكون هو التحدي الأكبر في هذه المرحلة.

كما لا يجب أن تتفرد السلطة بوضع جدول أعماله، بل يلزم إشراك ذوي الرأي والفكر و الخبرة في لجنة الاعداد إن كان الهدف هو إحداث إصلاحا حقيقيا يفضي لحلول واقعية لمشاكل البلاد السياسية والاقتصادية والتنموية.

د.أحمد الذايدي

شاهد أيضاً

ما بعد الطوفان.. غزة تحرر العرب

إن تأثير حرب غزة 2023 (طوفان الأقصى) على الرأي العام العالمي قد فاق جميع التوقعات …

اترك تعليقاً